حكايا مقهى الحياة

السبت، يناير 30

مساءات من الوجع



يمكنني اليوم, بعد ما انتهى كل شيء أن أقول :هنيئا للأدب على فجيعتنا إذن فما اكبر مساحة ما لم يحدث . إنها تصلح اليوم لأكثر من كتاب .وهنيئا للحب أيضا ...


فما أجمل الذي حدث بيننا ... ما أجمل الذي لم يحدث... ما أجمل الذي لن يحدث .




كان يمكن أن أقول أي شيء ...ففي النهاية, ليست الروايات سوى رسائل وبطاقات, نكتبها خارج المناسبات المعلنة.. لنعلن نشرتنا النفسية, لمن يهمهم أمرنا . ولذا أجملها, تلك التي تبدأ بجمله لم يتوقعها من عايش طقسنا وطقوسنا. وربما كان يوما سببا في كل تقلباتنا الجوية .تتزاحم الجمل في ذهني . كل تلك التي لم تتوقعيها .وتمطر الذاكرة فجأة ..فأبتلع قهوتي على عجل. وأشرع نافذتي لأهرب منك إلى السماء الخريفية.. إلى الشجر والجسور والمارة.إلى مدينة أصبحت مدينتي مرة أخرى . بعدما أخذت لي موعدا معها لسبب آخر هذه المرة .




كيف أنت.. يسألني صديق ويمضي للصلاة .فيجيب لساني بكلمات مقتضبة، ويمضي في السؤال عنك . كيف أنا؟أنا ما فعلته بي سيدتي.. فكيف أنتِ ؟يا امرأة كساها حنيني جنوناً، وإذا بها تأخذ تدريجيا , ملامح مدينه وتضاريس وطن .وإذا بي اسكنها في غفلة من الزمن, وكأنني اسكن غرف ذاكرتي المغلقة من سنين .كيف حالك؟يا شجرة توت تلبس الحداد وراثيا كل موسم...




عندما ابحث في حياتي اليوم, أجد أن لقائي بك هو الشيء الوحيد الخارق للعادة حقاً. الشيء الوحيد الذي لم أكن لأتنبأ به، أو أتوقع عواقبه عليّ. لأنَّني كنت اجهل وقتها أن الأشياء غير العادية, قد تجر معها أيضا كثيرا من الأشياء العادية .ورغم ذلك ....ما زلت أتساءل بعد كل هذه السنوات, أين أضع حبك اليوم ؟أفي خانة الأشياء العادية التي قد تحدث لنا يوما كأية وعكه صحية أو زلة قدم.. أو نوبة جنون...




حقيقة...لا ادى؟؟؟




غادرت قلبي إذن..كما يغادر سائح مدينة جاءها في زيارة سياحية منظمة. كلّ شيء موقوت فيها مسبقاً، حتى ساعة الرحيل، ومحجوز فيها مسبقاً، حتى المعالم السياحية التي سيزورها، واسم المسرحية التي سيشاهدها، وعنوان المحلات التي سيشتري منها هدايا للذكرى.فهل كانت رحلتك مضجرة إلى هذا الحد؟




كيف حدث يوماً.. أن وجدت فيك شبهاً بأمي. كيف ؟تصورتك تلبسين ثوبها العنابي، وتعجنين بهذه الأيدي ذات الأظافر المطلية الطويلة، كسرة الخبز التى افتقدت مزاقها منذ سنين




سامحك الله يا سيديتى على كل شئ




هأنذا مرة اخرى أحاول أن أضع شيئا من الترتيب داخلي.. وأتخلص من بعض الأثاث القديم . إنَّ أعماقنا أيضا في حاجة إلى نفض كأيّ بيت نسكنه ولا يمكن أن أبقي نوافذي مغلقه هكذا على أكثر من جثة ..إننا نكتب الروايات لنقتل الأبطال لا غير, وننتهي من الأشخاص الذين أصبح وجودهم عبئاً على حياتنا. فكلما كتبنا عنهم فرغنا منهم... وامتلأنا بهواء نظيف ..." .


كنت اعتقد أن الرواية طريقه الكاتب في أن يعيش مرة ثانيه قصه أحبها.. وطريقته في منح الخلود لمن أحب .


وربما كان صحيحا أيضا, فنحن في النهاية لا نقتل سوى من أحببنا. ونمنحهم تعويضا عن ذلك خلودا أدبيا . إنها صفقه عادلة . أليس كذلك؟!




و ربما كنت ضحية وهمي فقط, ومراوغتك التي تشبه الصدق. فوحدك تعرفين في النهاية الجواب على كل تلك الأسئلة التي ظلت تطاردني, بعناد الذي يبحث عن الحقيقة دون جدوى




تذكرت هذا البيت للشاعر "هنري ميشو" ورحت اردده على نفسي بأكثر من لغة .."أمسيات .. أمسيات كم من مساء لصباح واحد "كيف تذكرته, ومتى تراني حفظته؟ .. تراني كنت أتوقع منذ سنين أمسيات بائسة كهذه, لن يكون لها سوى صباح واحد ؟أنقب بعض الشيء في ذاكرتي عن القصيدة التي اخذ منها هذا البيت, وإذا بعنوانها "الشيخوخة" ..فيخيفني اكتشافي فجأة وكأنني أكتشف معه ملامح وجهي الجديدة. فهل تزحف الشيخوخة هكذا نحونا حقاً بليل طويل واحد. وبعتمة داخليه تجعلنا نتمهل في كل شيء, ونسير ببطء, دون اتجاه محدد؟أيكون الملل والضياع والرتابة جزءا من مواصفات الشيخوخة أم من مواصفات هذه المدينة ؟تراني أنا الذي ادخل الشخوخة.. أم ترى الوطن بأكمله هو الذي يدخل اليوم سن اليأس الجماعي؟




أليس هو الذي يملك هذه القدرة الخارقة, على جعلنا نكبر ونهرم في بضعة اشهر, وأحيانا في بضعة أسابيع فقط ؟


الآن نحن نقف جميعا على بركان الوطن الذي ينفجر , ولم يعد في وسعنا , إلا أن نتوحد مع الجمر المتطاير من فوهته, وننسى نارنا الصغيرة... اليوم لا شيء يستحق كل تلك الأناقة واللياقة. الوطن نفسه أصبح لا يخجل أن يبدو أمامنا في وضع غير لائق




لا أريد أن أتقاسم حزني مع الوطن.أفضل تواطؤ الورق, وكبرياء صمته....؟


كل شيء يستفزني الليلة.. واشعر أنني قد اكتب أخيرا شيئا مدهشا, لن أمزقه كالعادة.. فما أوجع هذه الصدفة التي تعود بي , بعد كل هذه السنوات إلى هنا, للمكان نفسه , لأجد جثة من أحبهم في انتظاري, بتوقيت الذاكرة الأولى .يستيقظ الماضي الليلة داخلي ... مربكا. يستدرجني إلى دهاليز الذاكرة .فأحاول أن أقاومه, ولكن, هل يمكن لي أن أقاوم ذاكرتي هذا المساء ؟




لا لن اقاوم ساكتب ما اريد لقد كان ذلك المثل الشعبي على حقّ "إن الذي مات أبوه لم يتيتَّم.. وحده الذي ماتت أمه يتيم".وكنت يتيماً، وكنت أعي ذلك بعمق في كل لحظة. فالجوع إلى الحنان، شعور مخيف وموجع، يظل ينخر فيك من الداخل ويلازمك حتى يأتي عليك بطريقة وبطريقة أو بأخرى.




ما أتعس أن يعيش الإنسان بثياب مبللة.. خارجاً لتوه من مستنقع.. وألا يصمت قليلاً في انتظار أن تجف!





فقط دعينى اوضح لك ..إنّ المهمّ في كل ما نكتبه.. هو ما نكتبه لا غير، فوحدها الكتابة هي الأدب.. وهي التي ستبقى، وأمّا الذين كتبنا عنهم فهم حادثة سير.. أناس توقفنا أمامهم ذات يوم لسببٍ أو لآخر.. ثم واصلنا الطريق معهم أو بدونهم.kjkj

التسميات: ,

posted by راوى المقهى at 1/30/2010 04:40:00 م

4 Comments:

مساءات من الوجع سرد يحاكى واقع ملبد بالغيوم فى واقع النفس المعذبة بالحنين إلى ماض غير برىء بالمرة نلوذ بالوطن ليلملم أشلاءنا دون جدوى...
أحييك على ما سطرت نقوش فوق الوجدان
مع أرقى تحياتى

30 مارس 2010 في 7:35 م  

بجد تسلم ايدك
بس فعلا الكلام ده من وحى خيالك
لو فعلا انت اللى كاتبه
احتمال كده اعمل توكيل مع مدونتك ههههههه بس يارب انت متزهقش
وتقبل مرورى يا صاحب القلم الخرافى

31 مارس 2010 في 4:45 ص  

أيييييييييه عاش من شاف كلامك ياعم ماهر انت فين ياعم من زمان وحشتنى مناقشاتك وتعليقاتك ... بس خلينى اوضحلك ان الوقع فى الوطن ليس ملبد بالغيوم ولكن.... انه الغيم نفسه
ان اسواء الاحاسيس على الاطلاق احساس الغربه داخل الوطن.. ان الشأن الخاص لا يفترق ابد عن الشأن العام فكلاهما يصب داخل نهر الالم الداخلى لدى الانسان...
ولكن هكذا دائماهو حزن الوطن هو الأكثر استحوازا عليك..هو الأكثر وجعا لك.. رحم الله عبد الرحمن الشرقاوى حين قال(فى شّرفات هذا العصر وقف الرجال الذائفين مهفهفين ملمعين كى يلفتوا كل العيون. مثل البغايا حين يقطعن السبيل على وقار العابرين لكنه عصر ويمضى).... الوحده والحنين كلمتان ترافقانى مدى الحياه..... نورتنى يا ماهر باشا ... تحياتى







prenses NaiRa




شاكر جدا تشريفك فى مقهاى المتواضع أما بخصوص التوكيل احب أبشرك مبروك حصلتى على كرسى دائم فى المقهى تالته شمال فى وش المقصوره..هههههاىى اما بخصوص اذا كان كلامى ولا لأ دا وصف حقيقى لما حدث معى دون تخيل.... ولكن النص المكتوب هو مزج من مقاطع رواية ذاكرة الجسد للرائعه احلام المستغانمى وكتابتى الخاصه ووصفى لما حدث لانى قدوجدت فى الكلمات التى اخذتها من الروايه هى أصدق التعابير التى ساعدتنى فى تكملت النص الخاص بى فخرج كما قرائتية .......... مرسى خالص على مرورك... نورتي المقهى يا فندم.....تك تك تك.. قهوة مظبوط يبنى للهانم

1 أبريل 2010 في 6:03 م  

جميل ان تكون انسان يعرف معنى الحياه
الاجمل ان تكون انسان يقهر تلك الحياه ليعلن عن وجوده
واخد بالك معى يا ابو رفعت

3 أبريل 2010 في 11:11 ص  

إرسال تعليق

<< Home

tadwina-62863713-tadwina