حكايا مقهى الحياة

السبت، ديسمبر 6

رحيل


    قبل اليوم, كنت اعتقد أننا لا يمكن أن نكتب عن حياتنا إلا عندما نشفى منها .عندم

    يمكن أن نلمس جراحنا القديمة بقلم , دون أن نتألم مرة أخرى .عندما نقدر على النظر

    خلفنا دون حنين, دون جنون, ودون حقد أيضا .أيمكن هذا حقاً ؟نحن لا نشفى من

    ذاكرتنا .ولهذا نحن نكتب, ولهذا نحن نرسم, ولهذا يموت بعضنا أيضا

    .

أجمع الأوراق المبعثرة أمامي , لأترك مكاناً لفنجان القهوة وكأنني أفسح مكانا لك ..بعضها

مسودات قديمة, وأخرى أوراق بيضاء تنتظر منذ أيام بعض الكلمات فقط... كي تدب فيها

الحياة, وتتحول من ورق إلى أيام .كلمات فقط, أجتاز بها الصمت إلى الكلام, والذاكرة إلى النسيان, تركت السكر جانبا, وارتشفت قهوتي مره كما عودني حبك .فكرت في غرابه .هذا

الطعم العذب للقهوة المرّة . ولحظتها فقط, شعرت أنني قادر على الكتابة عنك ورحت أطارد

دخان الكلمات التي أحرقتني منذ سنوات, دون أن أطفئ حرائقها مرة فوق صفحه .هل الورق

مطفأة للذاكرة؟نترك فوقه كل مرة رماد سيجارة الحنين الأخيرة , وبقايا الخيبة

الأخيرة......... .من منّا يطفئ أو يشعل الآخر ؟لا ادري ... فقبلك لم

اكتب شيئا يستحق الذكر... معك فقط سأبدأ الكتابة.ولا بد أن أعثر أخيراً على الكلمات التي

سأنكتب بها, فمن حقي أن أختار اليوم كيف أنكتب. أنا الذي أختر تلك القصة .قصه كان يمكن

أن لا تكون قصتي, لو لم يضعك القدر كل مره مصادفه, عند منعطفات فصولها .من أين جاء

هذا الارتباك؟وكيف تطابقت مساحة الأوراق البيضاء المستطيلة, بتلك المساحة الشاسعة البياض للوحات لم ترسم بعد.. وما زالت مسنده جدار مرسم كان مرسمي ؟وكيف غادرتني

الحروف كما غادرتني قبلها الألوان. وتحول العالم إلى جهاز تلفزيون عتيق, يبث الصور

بالأسود والأبيض فقط ؟ويعرض شريطا قديما للذاكرة, كما تعرض أفلام السينما

الصامتة .كنت أحسدهم دائماً, أولئك الرسامين الذين كانوا ينتقلون بين الرسم والكتابة دون

جهد, وكأنهم ينتقلون من غرفه إلى أخرى داخلهم. كأنهم ينتقلون بين امرأتين دون كلفة ..كان

لا بد ألا أكون رجلا لامرأة واحدة !ها هوذا القلم إذن.. الأكثر بوحا والأكثر جرحا ً.ها هو ذا

الذي لا يتقن المراوغة , ولا كيف ترش الألوان على الجرح ..

.وها هي الكلمات التي حرمت منها , عارية كما أردتها , موجعه كما أردتها , فَلِمَ رعشة

الخوف تشلّ يدي , وتمنعني من حةالكتابة؟تراني أعي في هذه اللحظة فقط ، أنني استبدلت

بفرشاتي سكيناً. وأن الكتابة إليك قاتله.. كحبك . .

عندما ابحث في حياتي اليوم, أجد أن لقائي بك هو الشيء الوحيد الخارق للعادة حقاً. الشيء

الوحيد الذي لم أكن لأتنبأ به، أو أتوقع عواقبه عليّ. لأنَّني كنت اجهل وقتها أن الأشياء غير

العادية, قد تجر معها أيضا كثيرا من الأشياء العادية .ورغم ذلك ....ما زلت أتساءل بعد كل

هذه السنوات, أين أضع حبك اليوم ؟أفي خانة الأشياء العادية التي قد تحدث لنا يوما كأية

وعكه صحية أو زلة قدم.. أو نوبة جنون؟أم .. أضعه حيث بدأ يوماً؟كشيء خارق للعادة,

كهدية من كوكب, لم يتوقع وجوده الفلكيون. أو زلزال لم تتنبأ به أية أجهزة للهزات

الأرضية .أكنتِ زلة قدم .. أم زلة قدر ؟.أقلّب جريدة الصباح بحثا عن أجوبة مقنعه لحدث "

عادي" غيّر مسار حياتي وجاء بي إلى هنا .أتصفح تعاستنا بعد كل هذه الأعوام , فيعلق

الوطن حبراً أسود بيدي .هناك صحف يجب أن تغسل يديك إن تصفحتها وإن كان ليس

للسبب نفسه في كل مرة. فهنالك واحده تترك حبرها عليك .. وأخرى أكثر تألقا تنقل عفونتها إليك .

إنّه قانون الحماقات، أليس كذلك؟ أن أشتري مصادفة مجلة لم أتعوّد شراءها، فقط لأقلب حياتي رأساً على عقبّوأين العجب؟ألم تكوني امرأة من ورق. تحب وتكره على ورق. وتهجر

وتعود على ورق. وتقتل وتحيي بجرّة قلم.فكيف لا أرتبك وأنا أقرأك. وكيف لا تعود تلك

الرعشة المكهربة لتسري في جسدي، وتزيد من خفقان قلبي، وكأنني كنت أمامك، ولست

أمام صورة لك.تساءلت كثيراً بعدها، وأنا أعود بين الحين والآخر لتلك الصورة، كيف عدتِ

هكذا لتتربصي بي، أنا الذي تحاشيت كل الطرق المؤدية إليك؟كيف عدت.. بعدما كاد الجرح

أن يلتئم. وكاد القلب المؤثث بذكراك أن يفرغ منك شيئاً فشيئاً وأنت تجمعين حقائب الحبّ،

وتمضين فجأة لتسكني قلباً آخر.غادرت قلبي إذن..كما يغادر سائح مدينة جاءها في زيارة

سياحية منظمة. كلّ شيء موقوت فيها مسبقاً، حتى ساعة الرحيل، ومحجوز فيها مسبقاً، حتى

المعالم السياحية التي سيزورها، واسم المسرحية التي سيشاهدها، وعنوان المحلات التي سيشتري منها هدايا للذكرى.فهل كانت رحلتك مضجرة إلى هذا الحد؟ها أنا أمام نسخة منك،

مدهوش مرتبك، وكأنني أمامك.

التسميات:

posted by راوى المقهى at 12/06/2008 08:25:00 م

0 Comments:

إرسال تعليق

<< Home

tadwina-62863713-tadwina